المجـلـس الأول
الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.
وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه.
مقدمة
لابد للمسلم في هذه الحياة من وقفات يقفها مع نفسه ، يعيد فيها تقويم أمورَهُ ، ويتفكر في مصيره ، ويصحح بها مسارَهُ ، فقطار الحياة يمضي بنا شئنا أم أبينا ، ولابد من وقت نتركه فيه كما تركه مَن سَبَقَنَا .
لقد سبقنا إلى القبور أُناسٌ كثيرون ، لهم أحلام وطموحات مثلنا ، يُمْسون ويصبحون عليها ، وفجأة جاءهم ملك الموت ، في هذه اللحظات العصيبة ، انكشفت لهم حقيقة الوجود في الدنيا ، وأنها مرحلة من رحلة طويلة . رحلة العودة إلى الله . وتمنوا في هذه اللحظات أن ينصرف عنهم ملك الموت ولو للحظة يصلحون فيها ما أفسدوا .
قال تعالى " حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ" سورة المؤمنون / آية : 99 ، 100 .
فإذا كان هذا هو حال الكثير ممن سبقنا إلى لقاء الموت فلماذا لا نعتبر بهم حتى لا نقع فيما وقعوا فيه ؟
إن من فضل الله علينا أننا مازلنا في الأمنية التي يتمناها هؤلاء في العودة إلى الدنيا .فهل لنا أن نفعل ما يتمنون فعله لو كانوا مكاننا ؟ !
هل لنا أن نبدأ في تصحيح المسار ، ووضع الدنيا في حجمها الصحيح ، والزهد فيها ، والتعامل معها على أنها مزرعة للآخرة ؟ !
ولنحذر من حب الدنيا والحرص عليها فحب الدنيا هو الذي عَمَّرَ النار بأهلها ، والزهد في الدنيا هو الذي عَمَّرَ الجنة بأهلها .
ومما يعين على الزهد فيها ، والعمل للآخرة :
ذكر الموت ، وكفى بالموت واعظًا .
إننا نحتاج حاجة عظيمة إلى السماع والتفكر في هذه المسألة؛ لأنها أساس التقوى، و لُب العملِ الصالحِ، وهي دافعٌ مهمٌ من الدوافع على الإقبال على الله -عز وجل- بأعمال صالحة إذا فكر الإنسان في الميت، يفكر كيف قد سالت العيون، وتفرقت الخدود، مساكين أهل القبور، على يمينهم التراب، وعلى يسارهم التراب، ومن أمامهم التراب، ومن خلفهم التراب،ومن فوقهم تراب ، كانوا أهل الدور والقصور، فصاروا أهل التراب والقبور، كانوا أهل نعمة، فصاروا أهل الوحشة والمحنة، وصارالبقاء فناء؛ كيف تبدلت أجزاؤهم في قبورهم؟ وخلت منهم مجالسُهم، وبيوتهُم، وانقطعت آثارُهم، وستكون عاقبتُنَا مثلُ عاقبتِهم، نفدت الأعمار، وبقيت الأوزار، والأموال قد فنيت، والأزواج قد نُكحت، والدور قد خُربت؛ ما حالُ أزواجِهم، ما حالُ أيتامِهم، ما عاقبُة أموالِهم، الأعمال قد انقطعت، والحسرات قد بقيت، يا أيها الناس: ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم، من الموت طالبه، والقبر بيته، والتراب فراشه، والدود أنيسه، وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر، كيف يكون حاله؟ اللهم سلم سلم واختم لنا بالصاحات
اللهم استعملنا ولا تستبدلنا "- إنَّ اللهَ - تعالى - إذا أراد بعبدٍ خيرًا استعملَهُ، فقيل : فكيف يستعملهُ يا رسولَ اللهِ ؟ قال : يوفقه لعملٍ صالحٍ قبل الموتِ" .الراوي : أنس بن مالك - المحدث : الألباني - المصدر : تخريج مشكاة المصابيح- الصفحة أو الرقم: 5218 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
فلابد أن نعمل، ونعمل ونعمل حتى يكون موت كل واحد منا على عمل صالح؛ لأن الموت على عمل صالح هو من علامات حسن الخاتمة .
- خطَب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خطبةً ما سمِعتُ مثلَها قَطُّ قال " لو تَعلَمونَ ما أعلَمُ لضَحِكتُم قليلًا ولبَكيتُم كثيرًا " . قال فغطَّى أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وجوهَهم لهم خَنينٌ ، فقال رجلٌ : من أبي ؟ قال : ( فلانٌ ) . فنزَلَتْ هذه الآيةُ " لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " .
الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 4621 - خلاصة حكم المحدث صحيح- هنا
الشرح : خَطَب رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: «لو تَعْلَمُونَ» مِن عَظمةِ اللهِ وشِدَّةِ عِقابِه لأهلِ الجرائمِ، وأهوالِ القيامةِ «ما أَعْلَمُ؛ لَضَحِكْتم قليلًا ولَبَكَيْتُم كثيرًا»، فغَطَّى أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وُجوهَهم لهم خَنِينٌ، أي: صوتٌ مرتفِع مِن الأنفِ بالبُكاء مع غُنَّةٍ، وهو دونَ الانتِحاب. فقال رجلٌ: مَن أبي؟ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: أبوك فُلان. فنَزَلَتْ هذه الآيةُ مِن سُورةِ المائدةِ"لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ".
وفي الحديثِ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهِ عليه وسلَّم أعظمُ النَّاس خَشيةً لربِّه؛ لأنَّ خَشيةَ اللهِ إنَّما تكونُ على مِقدارِ العِلمِ بِه، ولمَّا لم يَعلمْ أحدٌ كعِلمِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، لم يَخشَ كخَشيتِه.
وفيه: فضلُ الصَّحابةِ وبُكاؤُهم عندَ موعظةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ لهم.
وفيه: النَّهيُ عن كَثرةِ السُّؤالِ وتَكلُّفِ ما لا يَعْنِي.
هنا
لابد أن نعمل، ونعمل ونعمل حتى يكون موت كل واحد منا على عمل صالح؛ لأن الموت على عمل صالح هو من علامات حسن الخاتمة.
فلنتدبر أحوال الميت بعد نزع روحه ، وقد تصلبت أطرافه ، وشخص بصره ، واستسلم جسده ليد المُغَسِّل ، فلا كلام ، ولا حِراك ، ولا اعتراض ، وبعد تكفينه يُحمل على الأكتاف فيصلى عليه ، ثم يوضع في حفرة ضيقة من الأرض ، ويُهَال عليه التراب ، فلا منفذ يبقى للهواء ولا للضياء ، ثم بعد فترة يتحلل اللحم ويتساقط من فوق العظام ، وشيئًا فشيئًا تتحول العظام إلى تراب .
والله أعلم بحاله أمُنَعَّم أم غير ذلك ؟ !
لا فرق في هذا بين الجميل والدميم ، والشاب والهرم ، والغني والفقير .
فهي رحلة بدايتها هذه الحياة ثم الموت والقبر والنشور ؛ثم الجنة أو النار .
فالدنيا دار امتحان ، ونهاية الامتحان هي اللحظة التي قدرها الله لنهاية حياة العبد ، فيأتي ملك الموت ومن ورائه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب ..... يأتي ملك الموت لنزع الروح وإنهاء الوجود في قاعة الامتحان ؛ في هذه اللحظات يرى العبد الملائكة لأول مرة في حياته ؛يُرْفع الستار بين عالَم الغيب وعَالَم الشهادة وتنكشف الحقيقة :
قال تعالـى " لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ " . سورة ق / آية : 22 .
-" الميِّتُ تحضرُهُ الملائِكَةُ، فإذا كانَ الرَّجلُ صالحًا، قالوا: اخرجي أيَّتُها النَّفسُ الطَّيِّبةُ، كانت في الجسدِ الطَّيِّبِ، اخرجي حميدةً، وأبشري برَوحٍ ورَيحانٍ، وربٍّ غيرِ غضبانَ، فلا يزالُ يقالُ لَها ذلِكَ حتَّى تخرُجَ، ثمَّ يُعرَجُ بِها إلى السَّماءِ، فيُفتَحُ لَها، فيقالُ: مَن هذا؟ فيقولونَ: فلانٌ، فيقالُ: مرحبًا بالنَّفسِ الطَّيِّبةِ، كانت في الجسدِ الطَّيِّبِ، ادخُلي حميدةً، وأبشِري برَوحٍ وريحانٍ، وربٍّ غيرِ غضبانَ، فلا يزالُ يقالُ لَها ذلِكَ حتَّى يُنتَهَى بِها إلى السَّماءِ الَّتي فيها اللَّهُ عزَّ وجلَّ، وإذا كانَ الرَّجلُ السُّوءُ، قالَ: اخرُجي أيَّتُها النَّفسُ الخبيثَةُ، كانَت في الجسدِ الخبيثِ، اخرُجي ذميمةً، وأبشري بحَميمٍ، وغسَّاقٍ، وآخرَ من شَكْلِهِ أزواجٌ، فلا يزالُ يقالُ لَها ذلِكَ حتَّى تخرجَ، ثمَّ يعرجُ بِها إلى السَّماءِ، فلا يفتحُ لَها، فيقالُ: من هذا؟ فيقالُ: فلانٌ، فيقالُ: لا مرحبًا بالنَّفسِ الخبيثةِ، كانت في الجسدِ الخبيثِ، ارجعي ذميمةً، فإنَّها لا تفتحُ لَكِ أبوابُ السَّماءِ، فيرسلُ بِها منَ السَّماءِ، ثمَّ تصيرُ إلى القَبرِ"
الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح ابن ماجه -الصفحة أو الرقم: 3456 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- هنا
الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.
وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه.
مقدمة
لابد للمسلم في هذه الحياة من وقفات يقفها مع نفسه ، يعيد فيها تقويم أمورَهُ ، ويتفكر في مصيره ، ويصحح بها مسارَهُ ، فقطار الحياة يمضي بنا شئنا أم أبينا ، ولابد من وقت نتركه فيه كما تركه مَن سَبَقَنَا .
لقد سبقنا إلى القبور أُناسٌ كثيرون ، لهم أحلام وطموحات مثلنا ، يُمْسون ويصبحون عليها ، وفجأة جاءهم ملك الموت ، في هذه اللحظات العصيبة ، انكشفت لهم حقيقة الوجود في الدنيا ، وأنها مرحلة من رحلة طويلة . رحلة العودة إلى الله . وتمنوا في هذه اللحظات أن ينصرف عنهم ملك الموت ولو للحظة يصلحون فيها ما أفسدوا .
قال تعالى " حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ" سورة المؤمنون / آية : 99 ، 100 .
فإذا كان هذا هو حال الكثير ممن سبقنا إلى لقاء الموت فلماذا لا نعتبر بهم حتى لا نقع فيما وقعوا فيه ؟
إن من فضل الله علينا أننا مازلنا في الأمنية التي يتمناها هؤلاء في العودة إلى الدنيا .فهل لنا أن نفعل ما يتمنون فعله لو كانوا مكاننا ؟ !
هل لنا أن نبدأ في تصحيح المسار ، ووضع الدنيا في حجمها الصحيح ، والزهد فيها ، والتعامل معها على أنها مزرعة للآخرة ؟ !
ولنحذر من حب الدنيا والحرص عليها فحب الدنيا هو الذي عَمَّرَ النار بأهلها ، والزهد في الدنيا هو الذي عَمَّرَ الجنة بأهلها .
ومما يعين على الزهد فيها ، والعمل للآخرة :
ذكر الموت ، وكفى بالموت واعظًا .
إننا نحتاج حاجة عظيمة إلى السماع والتفكر في هذه المسألة؛ لأنها أساس التقوى، و لُب العملِ الصالحِ، وهي دافعٌ مهمٌ من الدوافع على الإقبال على الله -عز وجل- بأعمال صالحة إذا فكر الإنسان في الميت، يفكر كيف قد سالت العيون، وتفرقت الخدود، مساكين أهل القبور، على يمينهم التراب، وعلى يسارهم التراب، ومن أمامهم التراب، ومن خلفهم التراب،ومن فوقهم تراب ، كانوا أهل الدور والقصور، فصاروا أهل التراب والقبور، كانوا أهل نعمة، فصاروا أهل الوحشة والمحنة، وصارالبقاء فناء؛ كيف تبدلت أجزاؤهم في قبورهم؟ وخلت منهم مجالسُهم، وبيوتهُم، وانقطعت آثارُهم، وستكون عاقبتُنَا مثلُ عاقبتِهم، نفدت الأعمار، وبقيت الأوزار، والأموال قد فنيت، والأزواج قد نُكحت، والدور قد خُربت؛ ما حالُ أزواجِهم، ما حالُ أيتامِهم، ما عاقبُة أموالِهم، الأعمال قد انقطعت، والحسرات قد بقيت، يا أيها الناس: ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم، من الموت طالبه، والقبر بيته، والتراب فراشه، والدود أنيسه، وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر، كيف يكون حاله؟ اللهم سلم سلم واختم لنا بالصاحات
اللهم استعملنا ولا تستبدلنا "- إنَّ اللهَ - تعالى - إذا أراد بعبدٍ خيرًا استعملَهُ، فقيل : فكيف يستعملهُ يا رسولَ اللهِ ؟ قال : يوفقه لعملٍ صالحٍ قبل الموتِ" .الراوي : أنس بن مالك - المحدث : الألباني - المصدر : تخريج مشكاة المصابيح- الصفحة أو الرقم: 5218 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
فلابد أن نعمل، ونعمل ونعمل حتى يكون موت كل واحد منا على عمل صالح؛ لأن الموت على عمل صالح هو من علامات حسن الخاتمة .
- خطَب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خطبةً ما سمِعتُ مثلَها قَطُّ قال " لو تَعلَمونَ ما أعلَمُ لضَحِكتُم قليلًا ولبَكيتُم كثيرًا " . قال فغطَّى أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وجوهَهم لهم خَنينٌ ، فقال رجلٌ : من أبي ؟ قال : ( فلانٌ ) . فنزَلَتْ هذه الآيةُ " لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " .
الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 4621 - خلاصة حكم المحدث صحيح- هنا
الشرح : خَطَب رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: «لو تَعْلَمُونَ» مِن عَظمةِ اللهِ وشِدَّةِ عِقابِه لأهلِ الجرائمِ، وأهوالِ القيامةِ «ما أَعْلَمُ؛ لَضَحِكْتم قليلًا ولَبَكَيْتُم كثيرًا»، فغَطَّى أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وُجوهَهم لهم خَنِينٌ، أي: صوتٌ مرتفِع مِن الأنفِ بالبُكاء مع غُنَّةٍ، وهو دونَ الانتِحاب. فقال رجلٌ: مَن أبي؟ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: أبوك فُلان. فنَزَلَتْ هذه الآيةُ مِن سُورةِ المائدةِ"لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ".
وفي الحديثِ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهِ عليه وسلَّم أعظمُ النَّاس خَشيةً لربِّه؛ لأنَّ خَشيةَ اللهِ إنَّما تكونُ على مِقدارِ العِلمِ بِه، ولمَّا لم يَعلمْ أحدٌ كعِلمِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، لم يَخشَ كخَشيتِه.
وفيه: فضلُ الصَّحابةِ وبُكاؤُهم عندَ موعظةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ لهم.
وفيه: النَّهيُ عن كَثرةِ السُّؤالِ وتَكلُّفِ ما لا يَعْنِي.
هنا
لابد أن نعمل، ونعمل ونعمل حتى يكون موت كل واحد منا على عمل صالح؛ لأن الموت على عمل صالح هو من علامات حسن الخاتمة.
فلنتدبر أحوال الميت بعد نزع روحه ، وقد تصلبت أطرافه ، وشخص بصره ، واستسلم جسده ليد المُغَسِّل ، فلا كلام ، ولا حِراك ، ولا اعتراض ، وبعد تكفينه يُحمل على الأكتاف فيصلى عليه ، ثم يوضع في حفرة ضيقة من الأرض ، ويُهَال عليه التراب ، فلا منفذ يبقى للهواء ولا للضياء ، ثم بعد فترة يتحلل اللحم ويتساقط من فوق العظام ، وشيئًا فشيئًا تتحول العظام إلى تراب .
والله أعلم بحاله أمُنَعَّم أم غير ذلك ؟ !
لا فرق في هذا بين الجميل والدميم ، والشاب والهرم ، والغني والفقير .
فهي رحلة بدايتها هذه الحياة ثم الموت والقبر والنشور ؛ثم الجنة أو النار .
فالدنيا دار امتحان ، ونهاية الامتحان هي اللحظة التي قدرها الله لنهاية حياة العبد ، فيأتي ملك الموت ومن ورائه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب ..... يأتي ملك الموت لنزع الروح وإنهاء الوجود في قاعة الامتحان ؛ في هذه اللحظات يرى العبد الملائكة لأول مرة في حياته ؛يُرْفع الستار بين عالَم الغيب وعَالَم الشهادة وتنكشف الحقيقة :
قال تعالـى " لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ " . سورة ق / آية : 22 .
-" الميِّتُ تحضرُهُ الملائِكَةُ، فإذا كانَ الرَّجلُ صالحًا، قالوا: اخرجي أيَّتُها النَّفسُ الطَّيِّبةُ، كانت في الجسدِ الطَّيِّبِ، اخرجي حميدةً، وأبشري برَوحٍ ورَيحانٍ، وربٍّ غيرِ غضبانَ، فلا يزالُ يقالُ لَها ذلِكَ حتَّى تخرُجَ، ثمَّ يُعرَجُ بِها إلى السَّماءِ، فيُفتَحُ لَها، فيقالُ: مَن هذا؟ فيقولونَ: فلانٌ، فيقالُ: مرحبًا بالنَّفسِ الطَّيِّبةِ، كانت في الجسدِ الطَّيِّبِ، ادخُلي حميدةً، وأبشِري برَوحٍ وريحانٍ، وربٍّ غيرِ غضبانَ، فلا يزالُ يقالُ لَها ذلِكَ حتَّى يُنتَهَى بِها إلى السَّماءِ الَّتي فيها اللَّهُ عزَّ وجلَّ، وإذا كانَ الرَّجلُ السُّوءُ، قالَ: اخرُجي أيَّتُها النَّفسُ الخبيثَةُ، كانَت في الجسدِ الخبيثِ، اخرُجي ذميمةً، وأبشري بحَميمٍ، وغسَّاقٍ، وآخرَ من شَكْلِهِ أزواجٌ، فلا يزالُ يقالُ لَها ذلِكَ حتَّى تخرجَ، ثمَّ يعرجُ بِها إلى السَّماءِ، فلا يفتحُ لَها، فيقالُ: من هذا؟ فيقالُ: فلانٌ، فيقالُ: لا مرحبًا بالنَّفسِ الخبيثةِ، كانت في الجسدِ الخبيثِ، ارجعي ذميمةً، فإنَّها لا تفتحُ لَكِ أبوابُ السَّماءِ، فيرسلُ بِها منَ السَّماءِ، ثمَّ تصيرُ إلى القَبرِ"
الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح ابن ماجه -الصفحة أو الرقم: 3456 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- هنا